¤ نص الاستشارة:
أيها الإخوة قبل عدة أشهر إرتبطت بفتاة طيبة خلوقة، ولكنني تفاجأت بغيرة شديدة تمزقها، فقبل فترة سافرت معي ومعنا زوج أختي ومعه أختي وكنا ثلاثتنا نتحدث في أمور طبية بحكم اتحاد تخصصنا...وهي متخصصة في التربية فكانت تعقد واجمة ولم تنبس ببنت شفة حتى رجعنا إلى البيت فإنفجرت بالبكاء وأخذت تكسر بعض أغراض المنزل حاولت الإعتذار بكل الطرق ولكن لا فائدة... وهي تنظر إلى نفسها على أنها ضعيفة وسلبية ولا أحد يحترمها، وأصبحت تكره الإجتماع بأختي، حاولت إفهامها أنها متخصصة في مجال مرموق والناس إنما يتفاضلون بتقوى الله عز وجل..ولكن دون جدوى...فما الحل في تصوركم..؟
*الـــــرد:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلقد كان إعصار الغيرة يزداد مع مرور الوقت ويشتد على زوجتك، ولكنها كانت تحاول كبته بكل ما تستطيع من قوة، ولذا لا غرابة أن تقول: عندما عدت إلى المنزل فوجئت بزوجتي ...إنفجرت وبدأت بالصراخ والصياح ورمي أغراض المنزل وتكسيرها .. وربما إنها لو لم تفعل ذلك لإنفجر صدرها!!
فهل تتعجب بعد ذلك أن ينشأ لديها لون من كراهية الإجتماع بأختك، فهي ترى أن الاجتماع بها يذكرها بذلك الموقف، وتذكرها لذلك الموقف يشعرها بإزدراء نفسها!!
وحين أقرأ قولك: طبعا أنا ذهلت من الموقف الذي لم أكن أتوقعه، فلأنك بعيد عن تصوّر مستوى غيرة المرأة، ويكفي لتصور ذلك ما ورد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ قَالَ أَظُنُّهَا عَائِشَةَ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ لَهَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ قَالَ فَضَرَبَتْ الْأُخْرَى بِيَدِ الْخَادِمِ فَكُسِرَتْ الْقَصْعَةُ نِصْفَيْنِ، قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «غَارَتْ أُمُّكُمْ» قَالَ وَأَخَذَ الْكَسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ ثُمَّ قَالَ«كُلُوا» فَأَكَلُوا وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا فَدَفَعَ إِلَى الرَّسُولِ قَصْعَة أُخْرَى وَتَرَكَ الْمَكْسُورَةَ مَكَانَهَاَ!!
بل روت عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ فَخَرَجَتَا مَعَهُ جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ مَعَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ أَلاَ تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِى وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ فَتَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ قَالَتْ بَلَى، فَرَكِبَتْ عَائِشَةُ عَلَى بَعِيرِ حَفْصَةَ وَرَكِبَتْ حَفْصَةُ عَلَى بَعِيرِ عَائِشَةَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَارَ مَعَهَا حَتَّى نَزَلُوا فَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ فَغَارَتْ فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ تَجْعَلُ رِجْلَهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَىَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِى، رَسُولُكَ وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا.
ولاحظ أن هذه الغيرة صادرة من أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، التي قال عنها الذهبي رحمه الله: وَلاَ أَعْلَمُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلاَ فِي النِّسَاءِ مُطْلَقاً امْرَأَةً أَعْلَمَ مِنْهَا.. وذلك أن الغيرة أمر فطرت عليه النساء.
ابن حجر: قوله غارت أمكم إعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحمل صنيعها على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يُقدر على دفعها.
ونقل ابن حجر رحمه الله عن شراح الحديث قولهم: فيه إشارة إلى عدم مؤاخذة التي تغار بما يصدر منها، لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة.
وقد أخرج أبو يعلى بسند لا بأس به عن عائشة مرفوعا أن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، قاله في قصة وعن بن مسعود رفعه: أن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد أخرجه البزار وأشار إلى صحته ورجاله ثقات.
ولذا فكون المرأة هادئة لا يعني عدم شعورها بالغيرة، وربما لو كانت زوجتك ليست هادئة وخجولة لفجرت قنبلة الغيرة وسط إجتماعكم، وأفسدت عليكم نقاشكم!!
ومحاولتك لإقناع زوجتك رائعة، وتحملك إياها يدل على نضج عقلك، لكن كلامك مهما بلغ مستواه لن يستطيع نزع جذور الغيرة من أرض نفسيتها، وليس هو ما تحتاجه دائماً، وسيظل لهذا الموقف أثره، الذي يشبه أثر الجراحة على الجلد، يخف مع الوقت، لكن ربما بقي منه أثر، ولو خفيفاً.. وها أنت تلاحظ صراعاً داخل نفس زوجتك، بين ما تمارسه، مما يدفعها إليه تذكر الموقف، وأثره في نفسها، وبين حرجها منك، وتذكرها سيل إقناعك.. ولكن من المؤكد أن ما سيساعد على تخفيف ذلك الأثر أو إزالته إجتهادك في إظهار الإهتمام بها، بصورة عامة دائمة، وليس حين يحدث لها ما يستدعي ذلك.. وكأنك -لا شعورياً- تريد منها -لتمنحها الرعاية والاهتمام- أن تمارس بعض الممارسات، التي تستدعي إظهارك ذلك منك لها.
والله المصلح والهادي إلى سواء السبيل...
المصدر: موقع رسالة الإسلام.